كيف يدفع المتعهد خمسة ملايين دولار.. ودخل المباراة لا يتجاوز عشرة ملايين ريال؟

فاز الهلال على النصر وانتهى السوبر السعودي المثير للجدل والذي انقسم الجميع حول نقله الى لندن بين مؤيد ومعارض وحول تقييم تجربته بين نجاح وفشل، وسأتحدث من خلال هذا التقرير عن تفاصيل التجربة من أرض الحدث ومن زوايا عدة مع ابداء الرأي حول التجربة من دون فرضه على أحد، والبداية ستكون بالمبررات التي اعتمد عليها الاتحاد السعودي لكرة القدم في نقل السوبر إلى لندن وأول مبرر كما يراه الرئيس العام لرعاية الشباب، هو أن لعب السوبر في لندن يتيح الفرصة للعالم كي يشاهد الكرة السعودية، ويدعم هذا التوجه رئيس اتحاد كرة القدم الذي يرى أن اللعب في لندن يساهم في تسويق اللاعب السعودي في الملاعب الانجليزية.

أحمد عيد يناقض المبررات.. والفائدة الاقتصادية ذهبت إلى «عاصمة الضباب»

الإنجليز لا يشاهدون القنوات السعودية واتحاد الكرة رسب في الترويج إعلامياً

المبرر الآخر هو العائد المادي الذي سيدخل خزائن الاتحاد السعودي لكرة القدم والناديين والتي سيدفعها المتعهد وتشير المصادر إلى أنها خمسة ملايين دولار (ثلاثة ستذهب لخزانة الاتحاد ومليونين لخزينتي الناديين بواقع مليون لكل نادي)، الغريب أن رئيس الاتحاد صرح بعد المباراة بأن الايرادات ستتجاوز عشرة ملايين ريال، وسيتم تقسيمها لاحقاً، في إشارة إلى أنه لا يوجد مبالغ دفعت مسبقاً من أي متعهد أو شركة بل إن المبالغ ستجلب من دخل المباراة، وهو بذلك يناقض المبرر الثاني ويدعم موقف المعارضين لإقامتها في لندن لأنهم يرون أن ايرادات المباراة في حال اقيمت في الرياض ستصل إلى المبلغ ذاته تقريباً (عشرة ملايين ريال) مابين التذاكر والرعاية والنقل التلفزيوني.

وحول التجهيز والتنسيق كانت التوقعات تشير إلى أن هذه المباراة ستشهد تجهيزات خاصة ومميزة لإنجاح الفكرة وليكسب الاتحاد السعودي من خلالها التحدي امام منتقديه الذين يعارضون اقامة السوبر في لندن، ومن أهم هذه التجهيزات التنسيق مع المعنيين في وزارة الخارجية لتسهيل وتسريع حصول الجماهير على التأشيرات البريطانية والقنوات الاعلامية الانجليزية لتغطية الحدث والتنسيق ايضا مع شخصيات انجليزية لحضور المناسبة واختيار الملعب المناسب لمثل هذه المباراة واختيار شركة متخصصة في إدارة مثل هذا الحدث، واصدار نشرة خاصة بالمباراة باللغة الانجليزية وتوزيعها وتنظيم دخول الجماهير بشكل افضل وارقى، وكذلك تنظيم دخول لاعبي الناديين للملعب وتنسيق التتويج بشكل اكثر احترافية.

وبما أنها مباراة كأس بين الهلال والنصر تعتبر واجهة للكرة السعودية، كان من المهم جداً اختيار الملعب المناسب الذي يليق بها ويزيد من قيمتها، فإسم الملعب يساهم في الترويج والعكس صحيح، ولكن الاتحاد السعودي بحث عن الملعب الارخص فوجدوا ملعب "اللوفتس روود" الذي لم يكلفهم استئجاره اكثر من ١٢٠ ألف باوند، وللأسف انه صغير بشكل مبالغ فيه وسعة مدرجاته لم تتجاوز ١٩ الف ناهيك عن سوء بعض خدماته، فالنت "مخنوق" والواي فاي معدوم، وهذه عوامل ساهمت في الحد من حضور عدد كبير من الجماهير، ليقتصر عدد جماهير السوبر على ١٢ ألف فقط، وهذا يحدث للمرة الأولى في تاريخ لقاءات الفريقين.

نقل الحدث والترويج

هذه النقطة مرتبطة بالتبرير الأول لنقل السوبر إلى لندن (كما ذكر الرئيس العام لرعاية الشباب ورئيس اتحاد القدم) بأن السبب الرئيسي هو أن يشاهد الانجليز هذه المباراة لعل اللاعب السعودي يحترف هناك!!! وهذا الكلام جميل جداً وكان بالإمكان أن يتحقق لو كلف المنظمون على أنفسهم وتواصلوا مع القنوات الانجليزية (BBC و ITV) وسوقوا لهم ملخص المباراة حتى يتم عرضه في نشرات الأخبار الرياضية، ولكن للأسف أن المنظمين اعتقدوا بأن لعب السوبر في لندن كفيل بجعل الانجليز يشاهدون مباراة الهلال والنصر!! متناسين بأن الانجليز لا يعرفون قنواتنا ولا توجد في منازلهم فكيف نريدهم يتركون آلاف القنوات الانجليزية ويتابعون قناة سعودية؟!

في جانب آخر يتعلق بالترويج للمباراة غرد أحد الزملاء الإعلاميين قبل ثلاثة أسابيع بصورة لتاكسي لندن عليه شعاري الهلال والنصر، وذكر أن ٨٠ ألف تاكسي تروج للسوبر السعودي في شوارع لندن!!، كلام الزميل كان جميلاً واسعدنا كثيراً ولكن الحقيقة أنه طوال تواجدنا في لندن لم نشاهد أي شيء يشير للسوبر السعودي إلا تاكسي واحد هو ذاته الذي شاهدناه في التغريدة (وكان يتواجد في مكان أكثر قاطنيه هم الخليجيون!!).

وإذا كان هناك أمر ملفت فهو ما شاهدته يوم المباراة وكان عبارة عن بنر عليه علم المملكة وشعار السوبر وحولة شاب سعودي (اسمه ناصر المبارك) يرشد المارة ويخبرهم أن هناك مباراة، قلت في نفسي اننا ظلمنا المنظمين وجاء وقت الانصاف، فاتجهت لهذا الشاب لأسأله عن سبب تواجده لعله مرسل من الاتحاد السعودي لكرة القدم؟ لكنه فاجأني عندما ذكر أنهم ستة شباب من المسؤولية الاجتماعية في جامعة الملك سعود وقدموا للندن على حسابهم الخاص كمتطوعين للمساهمة في انجاح السوبر، سألته عن الاتحاد السعودي هل قدم لهم دعما او تسهيلات فأجاب بأنهم لم يجدوا أي دعم أو تشجيع من الاتحاد السعودي، وكل ما وجدوه من دعم كان من أحد البنوك السعودية حيث وفر لهم تذاكر الطيران وليلتي سكن، غير ذلك لم أشاهد اي شيء يشير أو يروج لمباراة السوبر ولدي من الشواهد الشيء الكثير.

ناقل حصري

أم متحدث رسمي؟

كثيرون انتقدوا مباراة السوبر واقامتها في لندن وهناك من امتدح التجربة وتمنى تكرارها وكلٌ له مبرراته ولكن أسوأ الاراء هي التي يتم فرضها عنوة من وسيلة اعلامية تبنت الموضوع وتحاول اثبات أن التجربة نجحت!! ومن يعود للاستديو التحليلي بمقدمه ومحلليه مع معلق المباراة يلاحظ أن هناك توجها بفرض نجاح التجربة وكأنها أمر مسلم به!! ماهكذا تورد الابل ياقناتنا الناقلة ألا يكفي انك مفروضة على المشجع السعودي لمدة عشرة اعوام؟!!! هل تريدين (أيضاً) فرض قناعاتك وتوجهاتك على منتجنا الرياضي!!! أين المهنية وحرية الرأي؟ أليست الوسيلة الاعلامية ناقل للحدث بحياد تام؟!

ألا يكفيكم سوء الاخراج الخاص بالاحتفال الذي سبق المباراة والذي خرج بشكل باهت وركيك!! ألا يكفي سوء اخراج المباراة والذي خرج عن النص كثيراً على حساب الفن والمتعة الكروية.

الايجابيات والسلبيات

من وجهة نظري الخاصة فإن الايجابية الوحيدة في نقل السوبر الى لندن، هي كشف كثير من الاوراق أهمها غموض الاهداف وضبابية العمل وبروز المصالح الخاصة.

أما السلبيات فحدث ولاحرج ومن أهمها ان الفائدة الاقتصادية من نقل المباراة إلى لندن ذهبت للانجليز (حتى وإن كانت ضئيلة) في وقت فقدت الرياض الفرصة ذاتها، فمثل هذه المباريات لها جانب اقتصادي مهم.

ويلاحظ ضعف الترويج الاعلامي والتسويقي للمباراة وعدم وضوح الهدف من اللعب في لندن وغياب التخصص في كثير من الامور كالاحتفال الذي يسبق المباراة وحفل التكريم ودخول الجماهير والاعلاميين، (ومن المستحيل ان تقوم جهة واحدة بجميع هذه الاشياء) وفقدان الهوية السعودية في لندن وهي الهوية التي نفاخر بها دائماً والاخراج السيء للمباراة، والمشاكل الفنية في الصوت ما جعلت حضور الفنان والفرقة الشعبية (غير المبرر) مثل عدمه، وبما أن كرة القدم لعبة شعبية بل هي اللعبة الشعبية الاولى يجب أن تبقى للشعب من دون اقتصارها على فئة معينة لأنه مع الوقت ربما نخسر الاثنين وتقتل اللعبة.

الخلاصة

هي تجربة انقضت بحلوها ومرها، والبعض يراها نجحت وآخرون يرون العكس وكلٌ يرى الموضوع من منظاره الخاص،، اما نحن فنظرنا للتجربة بنظرة غلب عليها الجانب التسويقي والاعلامي والبحث عن الفائدة الجماهيرية وقبل أن نكتب هذا التقرير تواصلنا مع أكثر من مختص نثق في آرائهم واتفقوا على ان الفكرة جيدة ولكن التنفيذ فشل بدرجة امتياز لأن الهدف كان غامضا والعمل ارتجاليا في اغلب أوقاته، وبمناسبة الغموض، نختم هذا التقرير ببعض التساؤلات ونترك التحليل والاجابة للقارئ الكريم:

* شركة (متعهدة) تدفع خمسة ملايين دولار لنقل السوبر السعودي إلى لندن، ماذا تستفيد؟! خصوصا وأن دخل المباراة لا يتجاوز عشرة ملايين ريال!! أي اقل من التكلفة!!

إلا اذا كان هدف هذه الشركة هو الترويج لعلامتها التجارية من خلال هذه المباراة، هنا ربما نجد لهم العذر ولكن كيف يحدث ذلك والشركة لم تذكر اسمها أو علامتها التجارية؟! أليس هنالك غموض في الموضوع؟، وهل صحيح ما يشاع بأن القناة الناقلة هي من تبنى موضوع لعب السوبر في لندن وهي من تكفل بكل المصاريف؟!!، فقط تساؤلات تبحث عن إجابة! ونتوقع أن ربط هذه التساؤلات بما حدث في مباراة السوبر ربما يساعدنا على معرفة الاجابة أو على الاقل فهم ما يدور حولنا.

image
أحمد عيد

مشاركة الصفحة